هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أسرة متمدنة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
يونس عبد الله
Admin



عدد المساهمات : 69
تاريخ التسجيل : 09/07/2013

أسرة متمدنة Empty
مُساهمةموضوع: أسرة متمدنة   أسرة متمدنة Emptyالإثنين يوليو 15, 2013 10:55 pm

الحلقة الأولى


تدافعت أولويات أسرة متكونة من أب وأم وجدة وستة أبناء ثلاثة منهم ذكور ، الأم ربة بيت في الخمسين ، رب الأسرة في السادسة والخمسين ينتظر إحالته على المعاش ، البنت البكر في الواحدة والثلاثين موظفة في القطاع الخاص ، الابن الأكبر في الثامنة والعشرين موظف في القطاع العام ، البنتان المتبقيتان واحدة في الجامعة والأخرى في الثانوي ، الولدان الأخيران مازالا في الإعدادي . أمام اختلاف التوجهات و عدم الرضا عن مسار الأسرة من طرف الأبناء ن وتظلمات الأم و استفهامات الجدة ، وازدياد نفقات الشابين العاملين وتذمرهما من الطريقة العشوائية في تسيير الأسرة وهواجسهما المستقبلية ، قرر الأب دعوة الجميع إلى لقاء أسري تفتح فيه كل الجروح وتبحث فيه كل البدائل والاقتراحات و البدائل الممكنة .
الاجتماع الأول
الأب : بسم الله الرحمن الرحيم ، أمي الحنونة ، زوجتي الحبيبة ، أبنائي الأعزاء ، هذا الاجتماع جاء نزولا عند رغبتكم في تطوير أسرتنا أمام ما تتعرض له مصالحها من مخاطر جراء تزايد الحاجيات و المطالب وإكراهات السوق ومحدودية الموارد ، وحتى بعض الاختلالات التواصلية التي تؤدي إلى عدم التصافي والتوافق ، لذلك أقترح أن أكون المسير الأزلي لهذه الأسرة ، وتنفدوا جميع أموامري بدون نقاش ، فتكونون على مستوى واحد ، وتكون قيادتي مدعاة احترام كما جرت عليه العادة في السنين الماضية و وفق أعرافنا الأسرية الضاربة في التاريخ ، فكما تعلمون أن كل زمرة لا تنصاع لحاكمها فمآلها التشرذم والتمزق والضياع ، كما يقول المثل : أنا أمير وأنت أمير فمن يسوق الحمير . أتمنى أن تكون ردودكم بالإيجاب لأفصل الخطة و ننهي هذا الاجتماع بالتوافق والإجماع .

الجدة : أحياني ربي حتى عشت ما يحز في قلبي ، أن تحكمني زوجة ابني ، هل أصبحت عاصيا يابني ؟ ألا تخشى غضب الله عليك ؟ ألا تخشى سخطي عليك فتعيش الويلات في الدنيا والآخرة ، أحرضتك زوجتك علي ، و تريد أن تنتزع مني القيادة ، أنا لا أزال قادرة على النهوض بهذه الأسرة ، أنسيت أني من أرضعتك وأمنتك وزوجتك بنت أختي ، و الآن تتآمران علي ، أظن أنني الحاكمة هنا و الرأي رأيي ، منذ متى سولت لك نفسك أنك القائد ، أنسيت أن كل خطواتك تكون بما أشرت عليك ، أم أنك تخاف أن تصارح زوجتك .

الزوجة : عجوزتي المحترمة ، احترمي من فضلك آداب الحوار ، فأنا لم أعد قادرة على تحمل طريقة تعاملك معي و سوء نيتك المبيتة ضدي ، ولا تنسي أن أولادي كبروا و بإمكاني الاستقلال معهم في بيت آخر ونتركك مع ابنك هنا إن زاد إصرارك على إهانتي فقد صبرت أكثر من ثلاثة عقود على لسانك الطويل .

الأب : لا حول ولاقوة إلا بالله ، ماذا أسمع ؟ هل جئنا لنصلح أحوالنا أم أتينا لنمزق أسرتنا ؟ ليس هذا ما أنتظره منكم ، كنت أريد سماع كلمة واحدة ، الموافقة على قيادتي ، و أعدكم أنني سأدرس كل طلباتكم بالعدل ، فأنا عارف بمصالحكم واحدا واحدا ، أنسيتم أنني من يتحمل جميع المصاعب في هذا البيت ، يكفي يكفي ، وأنت ياقرة عيني ماذا تقولين ؟

المهندسة : جدتي الحبيبة ، أبي الغالي ، أمي الرؤوم ، إخواني الأفاضل ، أخواتي العزيزات ، أنا محتارة في أمري ، أنا أتأرجح بين إكراهات الواقع الذي يلزمنا بالتغيير ، و صعوبة إقامة نظام على إرث قديم استحكمت قيمه و علمتنا أن نكون من التابعين ، و أن السكوت علامة القبول ، فكثير من الصمت ماهو إلا انهزام ويأس و انكسار ، رغم قساوة التغيير وضحاياه فهو يوما آت ، فأسرتنا تكبر أحلامها ، و تزداد حاجياتها ، أنا لا أنفي مساهمة أفرادها جميعهم في وحدتها ، وبذل قصارى جهدهم من أجل كبح انهيارها ، لكن رغم ذلك فهناك خطأ ما يحتاج إلى علاج فعال .

الطبيب : بسم الله الرحمن الرحيم ، إن الحمد لله نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتدي و من يضلل فلا هادي له أما بعد : عائلتي المحترمة ، إن التقوى مفتاح النجاح ومعيار الفلاح ، و هي وحدها الكفيلة بجعلنا نرضى بقضاء الله وقدره ، إن الحكم لله ، يؤتيه من من يشاء ، و الله يبعث في هذه الأمة من يجدد حياتها ، و يستخلف فيهم أناسا عابدين طيبين ملتزمين ، فانظروا من توفرت فيه هذه الشروط ، و سلموه قيادة الأسرة ، وإني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ، فهذه والله أمانة ، لا تضعوها إلا في يد أمينة ، و السلام على من اتبع الهدى .

الحقوقية : تحية نضالية لكل أفراد أسرتي ، جدتي التي عانت من ظلم السنين ، أبي الذي أثقله مكر الأيام ، أمي التي أفنت شبابها من أجل الأسرة ، أخواتي البنات اللائي نالهن الإقصاء ، إخواني الأطفال الذين يعانون من الإهمال ، ساعة الحقيقة دقت ، والحقوق يجب أن تلبى ، حرية الرأي والتعبير ، حرية العقيدة ، حرية الملبس ، حرية السفر ، حرية المتعة ، إلى متى سنبقى في العالم القديم ، أسرتنا يجب أن تنظم إلى ركب الحضارة ، يجب أن تكون شفافة في تعاملاتها ، يسودها احترام الذوق ، و لا تشخصن الأحداث ، و يجب أن تبنى سياساتنا على مقاربة النوع ، و الصبغة التشاركية ، والبحث عن أشكال تنموية جديدة ، فأنا مستعدة لتقديم خبرتي من أجل تزيين هذه الواحة .

الأب : من أنتم ؟ هل أنتم فعلا أبنائي الذين أطعمتهم وكسوتهم وعلمتهم وآمنتهم من خوف ؟ هل اشتعل الرأس شيبا وهرمت وهرمت لأستمع إلى مثل الأقوال ، هذه مؤامرة ، هذه مخاطرة ، هذه مقامرة ، هذا تهديد لأمن الأسرة واستقرارها ، رغم ذلك فباب التوبة مفتوح ، وأنا مستعد للحوار ، لكن اعلموا أنني لن أقبل خروجا عن قيم الأسرة ، والاحترام الواجب لتاريخ الأجداد ، هل تريدين المشاركة يابنت الثانوي ؟

سامية : أنا يا أبتي تعرف أنني لست من هؤلاء ن بل فقط أحتاج حاسوبا وآلة موسيقية ، وإن أمكن أريد أن آخذ دروسا في الرقص .

الأب : الحاسوب و بطاقة الاشتراك على رأسي وعيني ، أما الرقص فلا ثم لا ولا أريدك أن تعودي للموضوع ، أما طفلاي الصغيران ؟

صالح : أبي نحن الأطفال لم نبلغ بعد سن الرشد ، نحتاج لهذه الأسرة مجتمعة ن تعرف أبي أهمية الرياضة ، كما تعلم ازدواجية الثقافة والرياضة ، نريد بطاقات اشتراك لتتبع أهم الأحداث الرياضية العالمية ، و نريد بذلات جديدة وأحذية حديثة ، فنحن نشارك مع أطفال الحي في تدريبات فرق الأحياء ، وربما قريبا سننضم إلى فرق الكبار .
الأب : قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ، أما الطلب الأول عند نجاحكم برتب مشرفة والثاني فمرحبا وأهلا ، لا تنسوا لا رياضة إلا أيام العطل .

يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://takafa.mam9.com
يونس عبد الله
Admin



عدد المساهمات : 69
تاريخ التسجيل : 09/07/2013

أسرة متمدنة Empty
مُساهمةموضوع: رد: أسرة متمدنة   أسرة متمدنة Emptyالإثنين يوليو 15, 2013 11:03 pm

رفع الأب الجلسة إلى الجمعة المقبلة بعد الصلاة ، لأول مرة أحس أن كل ما قدمه من تضحيات وخدمات يكاد يدهب سدى ، أحس غبنه أمام الجيل الجديد ، فمن جهة يعرفون حقائق كثيرة و في الوقت ذاته تعتريهم نقائص عديدة ، يصلي صلاة العصر فيسهو فيها سهوا يجمع عبادة تقربه من ربه و خدمة قضيته ، حبه لأسرته و ما ارتج له بنيانها من تصورات جديدة جعلته حائرا ، بعد السلام يرفع كفيه مناجيا خالقة اللطف بهذه العائلة ، و انتشالها من الضياع والتمزق والتشتت ، وهي إلى عهد قريب مضرب الأمثال بنجابة أبنائها ، وحكمة كبارها و عفة نسائها و حسن تدبير مواردها .
ما إن تفرق الجمع حتى بدأت الحقوقية نشاطها و حملاتها التحسيسية والتوعوية ، فكتبت الشعارات ، نعم لحرية المرأة ، لا لاضطهاد الطفولة ، رفقا بالمسنين ، العدل والمساواة مطلبنا ، المظاهرات سلاحنا ، قريبا سنعتصم ونضرب عن الطعام ، أنهت سلسلة إعلاناتها ، طبعت ملصقاتها ، علقتها على الجدران العمومية ، في غرفة الأكل والمطبخ والشرفات ، والأروقة والحديقة وعلى طول السلم .
أما الطبيب فحول غرفة أدواته ومعداته وكتبه إلى معبد هيأ فيه منبرا ، و رسم محرابا على الحائط ، وكتب على الباب دار الصلاح والفلاح ، وفصل برنامجه على ورقة ثبتها على الباب ، أداء الصلاة بعد الآذان بعشرة دقائق ، حضور الموعظة اليومية بعد صلاة المغرب .
الجدة المريضة تملكتها نوبة بعد اللقاء ، حملتها المهندسة إلى الطبيب ، وصاها بالراحة النفسية وعدم التعصب ، وصف لها مهدئات جديدة ، بعد كل زيارة تتغير العقاقير ويزداد تركيزها ، حفيذها الطبيب يحذرها من هذه السموم و يعرض عليها منتجات من الطب البديل ، لكنها تحب طبيبها القديم ، فهو العارف بحالتها عن قرب منذ وفاة الجد قبل عشرة أعوام .

الزوجة قررت فرض سياسة الأمر الواقع ، نبهت الجميع أنها سوف تطبخ الطعام و تغسل ملابس الطفلين ، وعلى الباقي تصريف باقي الأعمال ، من نظافة المنزل ، غسل الأواني ، تقسيم الطعام ، غسيل الملابس وخياطتها وكيها ، تهوية المنزل ، نشر أفرشته تحت أشعة الشمس ، وترتيب البيت والتبضع . الأب يتحسر على هذه الفوضى التي لا تمت إلى الأخلاق بصلة ، عند عودته من العمل يحاول توزيع الأدوار و يحاول قدر المستطاع الحد من تأثير إضراب زوجته عن بعض الأعمال ، افتقد ضحكتها و استقبالها وإطفائها لنار تعبه بخدماتها و حنانها ، طوال الأسبوع يحاول ثنيها عن غضبتها ، لكن ذلك لا يزيدها إلا إصرارا . الجدة تائهة بين نوباتها المرضية وانشغال الجميع عنها و تمرد العروسة عنها ، تحاول المهندسة إفهامها أن كل شيء سيتحسن ، وأن هذه الفترة الانتقالية ماضية لا محالة ، و أن الكل في الأخير سيجنح إلى النظام والتسامح والتعاون . الطبيب يؤذن مع كل صلاة لا توافق غيابه الإضطراري فيعلو صوته في أرجاء المنزل ، وبعد صلاة المغرب يقدم درسه حول السياسة الرشيدة ، والأخلاق الحميدة والسمو الروحي ، وعدم الافتتان بالحياة المادية ، و نكران الذات ، دون أن ينسى التركيز على التقوى مشيرا بسبابته نحو قلبه .
تعاظمت مشكلات الأسرة وأثرت بشكل غريب على مردودية أفرادها ، فهذا تجعدت ملامحه واكفهرت سرائره و تتملكه النرفزة مع كل احتكاك ، و ذلك كثير شروده وغائبة فطنته ، و تكالبت أخطاؤه ، و صدت تقاريره و فروضه ، حتى الأم تملكتها النغصة وهي ترى بيتها ينهار أمام عينيها ، أينما حلت لا يهنأ لها بال ، مرة تستحضر المستقبل فترى نفسها مطلقة تفترسها الوحشة والوحدة ، و كثيرا تسترجع قدرتها على معالجة الصعاب ، الأبناء شحبت وجوههم ، غابت تلك الأرواح النزقة في تصرفاتهم ، بنت الثانوي تعرف لأول مرة أن انفراط النظام هو الركود بعينه ، واعترفت في دواخلها أن الفن الجميل لا يبدعه إلا الظرف الجميل ، حيث الذوق الجميل والحياة الهادئة و الوجوه البشوشة .
على أحر من الجمر انتظر أفراد الأسرة جمعتهم علها تكسبهم تمكاسكا وتساكنا جديدين .
في الصالون المزينة جدرانه بالملصقات والشعارات والألوان المطلبية ، استوت الجثت المثقلة بهمومها ، افتتح الأب اللقاء بالتحية للجميع و شكرهم على عزمهم ورغبتهم الكبيرة على إيجاد مخرج لأزمة الأسرة و التوافق على خارطة طريق لتسوية مستعجلة تكون بداية لحل المصاعب التي تواجهها الأسرة في الأعوام القليلة الماضية التي أدت إلى وضعها الراهن ، وما تعرضت له أركانها خلال الأسبوع المنصرم ، وشدد على أن تكون المداخلات وجيزة و مقتضبة و حاملة لمقترحات قابلة للتفعيل تستطيع انتشال الأسرة من هذا المأزق .

الجدة : أعزائي ، يبدو أننا نعاني من تدهور خطير في الخدمات الأسرية ، و لعل تقاعس البعض في النهوض بواجباته سيدمر هذا المنزل ، إن ما نحتاجه فعلا هو محاربة المتقاعسين وجعلهم عبرة لكل من سولت له نفسه الحط من قيمة هذه العائلة ، نحن من عرق آل الجبل ، دمنا حار ، سلالتنا نقية ، لم يخطر ببالي يوما أن آل الماء قد تصل بهم درجة الاستهتار بمصيرهم إلى ما وصلتم إليه ، لو أن جدكم الأكبر قام من قبره ، لتبرأ منكم و من أعمالكم ، لكن الخطأ مني حين زوجت ابني من آل النار و هم المعروفون بإثارتهم للفتن والنعرات ، يا أحفاذي هل أنتم من آل الماء ؟ أم من آل النار ، إن كنتم فعلا من آل الماء فأروني قدرتكم على إطفاء نار الفتنة في بيتكم .

الزوجة : لاشك أن العمر تقدم بك حتى أصابك التيه والهلوسة ، آل النار هو أزكى وأنقى من آل الجبل ، فأنتم سكنتم مع الوحوش و أخذتم من طباعها الكثير ، ألم يتواثر أن جدكم أرضعته ذئبة ، آل النار يطهرون الأرض من كل نفاياتها ، كلهم أنفة وحلم وتواضع ، أبنائي أنتم من الأخيار وأبناء الأخيار ، فآل الماء هم على الدوام على وفاق مع آل النار ، وذريتهم صالحة .

الأب : ما لنا و الأنساب والأعراق ، أظن أن أسرتنا بحاجة لكل أفرادها ، ونحن بحاجة لمخططات بناء ، و ليس لمشاريع تقسيم وتجزيء ، أليس فيكم عاقل رشيد ؟

بنت الثانوي : بابا بابا .. بالروح بالدم نفديك يا بابا ..... أنا مع بابا و أريد أن أكون رسامة بدل راقصة ، وقد وجدت منزلنا يعج بالأوراق والألوان فرسمت هذه اللوحة ، خذ أبي هذه هديتي لك ، ألا تبدو بهيجا بلباس الأجداد ؟ لكن أتمنى أن تهيئ لي مرسما .

الأب : لقد أوتيت سؤلك يا ابنتي ، أنا أعرف أنكم ستهتدون إلى القول الرشيد أليس كذلك أيها الطبيب ؟

الطبيب : كلا يا أبتي لن تجدني صابرا ، ما لم تتحقق المطامح الحقيقية التي نحن بصددها ، إن الوازع الأخلاقي يبقى روح الإنسان ، إن انتشار ثقافة التبرج في بيتنا ، ومشاهدة الشاشات و إسراف الأموال على الملابس الملونة ، وانحطاط التربية الأسرية ، وعلو صوت الطفولة ، وجعل الكل كأسنان المشط لشيء غريب ، أين سنة التفاضل و القوامة ؟ أين توقير الصغير للكبير؟ أين الضرب عند النشوز ؟ كلا يا أبي أراك لا تقوم بواجبك أحسن قيام ، اعلموا أن مشروعي كامل متكامل ، أرأيتم أسرة أبي السنابل ، فنعم الأسرة هي ، سأحضر عقدها لنسير على نهجه ، كما أنهم مستعدون لدعمنا ماليا حتى نحقق مشروعنا ، ونستصلح أراضينا ، و يتعلم أبناؤنا ، كما أنني والحمد لله سأتزوج من حفيذته .

الحقوقية : لا أيها الطبيب لن نستسلم ولن نركع ولن ترجع بنا إلى الوراء ، نحن أبناء القرن الواحد والعشرين ، سنناضل محافظين على مكتسباتنا ، أبي ستساعدنا أسرة جورج آل النمر لتحقيق مشروع حداثي متقدم بهي .

المهندسة : كفاكم من هذه الأحلام الكابوسية ، وهذه المقترحات غير الناضجة ، أتريدون تدويل ملفاتنا الداخلية ، ألا تعلمون أن هذه الأسر طامعة في مقدراتنا ، و في فداديننا و ما تحتويه من أشجار لو أحسنا استغلالها ونقبنا عن مدخراتها لكانت أسرتنا على قائمة الأغنياء .


أرجأ الأب الحسم إلى الجمعة الموالية ، أسرته لا تزال آراء أفرادها متباينة حد التنافر ، استاء من العناصر الجديدة في الحوار ، كل ما يضمره الفرقاء تكشف اليوم ، واتضح أن اختلالات الأسرة ركبت عليها قوى خارجية تنفث الفرقة بين أبنائها ليدمروا كيانها ، كيف لأبنائه أن تنطلي عليهم اللعبة ، كيف وصلوا إلى هذه السذاجة العمياء ، لعلهم يتجاهلون تاريخهم العريق ، لعلهم لا يستحضرون البناء . يعتبرون تسيير الأسرة كلعبة مدرب فرقة رياضية ، متى تضاءلت نتائجها ضحوا بطاقمها التقني تجنبا لنبش مواطن الخلل ، لعل الخافي كان أعظم ، كيف لنا أن نعيد العجلة للدوران ؟ كيف لي أنا بالذات الذي فشل في سياساته البنائية أن أصلح المسار ، لماذا علمت أفراد أسرتي ثقافة الريع ، لماذا لم أعلمهم أن لكل حسب عمله ، و لكل حسب قدراته مع ضمان الحد الأدنى للكرامة الإنسانية ، كيف لي أن أتنصل من عقودي مع المؤسسات المقرضة ؟ لكل منها كنانيش شروطها ، آه كيف العبور من هذا المأزق بخير ، أين لي بحكمة سليمان فأهمها ، أين لي بعصا موسى فأشق بها نفقا إلى برالأمان ، أحبك أسرتي ، سأضحي من أجلك ، لكن باللين والعقل ، لأن ما أفسدته السنين ، لا تعالجه إلا السنين .

المهندسة بدأت وساطتها والأمل يغادر النفوس ، وأصبحت عصبية الأسرة مجنونة ، كلما سقط كأس في المطبخ قاموا جميعا صارخين ، إن هزت الراح نافذة أجابوا هاتفين ، إن ماءت القطة أسرعوا نابحين ، استنفروا حواسهم و أصاب عقولهم العمى و سلوكهم الطيش . لم يرق لها هذا المآل فجالت عليهم واحدا واحدا ، آخذة مسافة من طلباتهم الملحة ، فتناولتها بالدراسة لخمسة أيام ، و هيأت عقدا أسريا جديدا يقوم مقام الأعراف ، دستور جديد يجد فيه كل منهم جزءا من أنانيته ، فناقشته مع الأب مرجحا فطنتها و تقنية عملها فهي متحررة من المذهبية ، و ركزت على تنمية بعيدة المدى ، هيأت وثيقة لم تسلم من صعوبة مراس الحقوقية التي أضافت لها بندا وتحفظت عن بعض الفصول ، واجهها الطبيب بخشونة ، لكنه لم يرض بالخروج عن الإجماع مخافة الإبعاد والمنفى ، فاضطر إلى التوقيع مؤجلا مشروعه إلى حين .
الجدة رحبت بالوثيقة وحيت في حفيذتها دماء آل الماء ، والأم قبلت بنتها معتبرة إياها نسخة منها ، والأطفال أحبوا أختهم الحكيمة ، وبنت الثانوي قررت أن ترسم لها لوحة تذكارية .
ليلة الخميس أرسل الأب للجميع وقرأعليهم دستورهم الجديد وصفقوا له بحرارة و الفرحة ترسم معالمها على وجوههم .
بعد صلاة الجمعة ذبحت القرابين وأعلنت الأفراح احتفالا بالإنجاز الديمقراطي .


النهاية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://takafa.mam9.com
 
أسرة متمدنة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: القسم الأدبي :: النصوص الأدبية و الفلسفية-
انتقل الى: